-A +A
علي بن عيسى الشعبي
كنت قد كتبت قبل سبع سنوات مقالا محذراً من خطورة الوجه الآخر للمنهج الدراسي الرسمي المعلن، وأقصد هنا ما يسمى بالمنهج الخفي أو المنهج المستتر. وتكمن خطورة هذا النوع من المناهج الدراسية في صعوبة التحكم في المضامين والمفاهيم والقيم والاتجاهات التي يمكن نشرها من خلال المنهج الخفي الذي يعتمد على السرية والخفاء مما يجعل من الصعب جداً متابعته والإشراف عليه. إن تأثيرات المنهج الخفي السلبية يمكن أن تهدم كل ما تحاول المدرسة أن تبنيه وقد يتعدى إلى هدم كل ما تحاول الأسرة وحتى ربما الدولة أن تغرسه في نفوس أبنائها وبناتها. هذا النوع من المناهج على الرغم من خطورته كان ولا زال يمارس في مدارسنا وكان الكثير من ممارساته السلبية مسكوت عنها حتى تجذر للأسف الشديد وأصبح من الصعب القضاء عليه، والدليل أنه منذ الحديث عن المنهج الخفي وتأثيراته السلبية ومنذ كشف المستور والحديث عن الكثير من الممارسات التي كان مسكوت عنها في مدارسنا وجامعاتنا وإلى اليوم والحال لم يتغير بل ربما تطور إلى صورة جديدة قد تكون أكثر خطورة إذا ما ارتبطت بما يشبه التقية.
للأسف الشديد إنه لا زال عدد من المعلمين يحولون حصصهم إلى دروس وعظ وإرشاد ولم يقتصر هذا على معلمي العلوم الدينية ولكنه تجاوزه إلى معلمي العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية، ولا أدري ما هي فائدة تدريس مثل هذه العلوم والفنون والآداب إذا كانت لاتقدم على الوجه المطلوب. لازال عدد من المعلمين ينشرون مع سبق الإصرار ثقافة رفض كل ما هو وطني ومحاربة وإقصاء كل من يحمل الهم الوطني أو يعمل على تكريس الانتماء للوطن، وهنا لا أدري ما هي فائدة مادة التربية الوطنية بل ما أدري ما هي فائدة مدارسنا إذا لم تكن قادرة على غرس قيم وطنية واجتماعية مثل حب الوطن وحب ولاة الأمر وتحية العلم والمحافظة على المكتسبات الوطنية وغيرها. لازالت عدد من المدارس تقرب كل من يكتم محاسن ولاة الأمر ويذكر عيوبهم ويحملهم سلبيات المجتمع ولازالت تقرب كل من يظهر ولو كذباً ونفاقاً مناصرة المسلمين في كل مكان إلا هذا الوطن، ولازالت مدارسنا للأسف الشديد تكرس ثقافة الإحباط وثقافة الموت وثقافة الكراهية بحجة أن الفساد عم المجتمع والذل ساد الأمة والأعداء انتهكوا حرمتها وعلى الجميع صغاراً وكباراً أولاداً وبناتا أن يقفوا ضد هذا الفساد. ولازالت عدد من مدارسنا تشهد تكتلات وتوجهات فكرية متشددة تقصي كل من يختلف معها بل في أحيان كثيرة تحاربهم وللأسف الشديد فإنها تجد من يدعمها من المسؤولين. إن الخطاب التربوي الجديد يجب أن يضع في الاعتبار معطيات مرحلة ما بعد المنهج الخفي وأن يلامس الواقع التربوي وأن يعمل على تغييره من خلال إيجاد رؤية واحدة مشتركة لدى الجميع تقوم على الاعتدال وتكريس منهجه وإعادة الطلاب إلى الفطرة السليمة التي ترفض الغلو والتشدد رفضها الانحلال والبعد عن وسطية الدين وروحه السامية. وعلى الخطاب التربوي الجديد أن يضع في الاعتبار كيف يتم التعامل مع المجالات التي يسود فيها المنهج الخفي ولا يتركها للاجتهادات الشخصية، ومن هذه المجالات (الأنشطة المدرسية أو الطلابية أو اللاصفية). على الخطاب التربوي الجديد التركيز على تقوية الإرادة عند الطلاب والطالبات من خلال التدريب على مهارات تطوير الذات وبناء الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس وتقبل الرأي والرأي الآخر، وهي مفاتيح مهمة جداً لمواجهة سلبيات المنهج الخفي.

إن الخطاب الجديد في هذه المرحلة يجب أن يأخذ صيغة قانونية تحد من الممارسات التربوية غير المرغوب فيها، ولهذا اعتقد أنه أصبح من الضروري جداً أن تكون هناك وثيقة رسمية بين الوزارة والمعلم يوقع عليها المعلم قبل البدء في التدريس تحدد علاقته بالطلاب وضوابط أدائه لعمله وضرورة تكريسه للمفاهيم والقيم الوطنية والاجتماعية التي تحددها الدولة ويرضاها المجتمع وعند مخالفته فإنه تتم محاكمته شرعاً.
وقفــــــة :
يقوم مركز القياس هذا العام بتقديم اختبار قدرات للخريجين الراغبين في الالتحاق بالتعليم وذلك لقياس قدراتهم العلمية والمهنية وتحقيقهم للحد الأدنى من هذه القدرات وكم كان بودي أن يشتمل هذا الاختبار على اختبارات نفسية تقيس مدى سلامة توجهاتهم الفكرية والوطنية قبل الالتحاق بمهنة التعليم... والله من وراء القصد.
alshabbi@yahoo.com